إن الله عز وجل حين خلق هذا الإنسان لم يخلقه عبثا ، بل جعل له مهمة محددة وغاية من خلقه ، تتمثل في عبادته يقول تعالى : ( وما خلقت الإنس والجن إلا ليعبدون ) ويقول تعالى مبينا سر الحياة والموت : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) فهذه الحياة هي في حقيقتها ابتلاء يتمايز فيه الناس بين الخير والشر.

وقد جعل الله حركة هذا الكون تسير بنظام دقيق ، وسنن جارية على خلقه ، تضبط حركة هذا الكون وحركة الإنسان ، لينسجم هذا الإنسان ويستطيع تجاوز الامتحانات والابتلاءات الإلهية بنجاح وتفوق ، أما من تصادم مع حركة الكون وسنن الله فسيفقد القدرة على الانطلاق والنجاح ، وسيبقى متخبطا في مسيرته وحركته لا يدري وجهته ولا حركته حتى يبوء بالفشل والخسران العظيم.


وسنن الله في هذا الكون متعددة ومتنوعة ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ) ( آل عمران :137) ، منها سنة الابتلاء ومنها سنة التدرج وسنة التدافع وسنة التغيير الذي تعتبر محور حديثنا في هذا المقال.

( البقرة :251)
فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ

2:251 By Allah's will they routed them; and David slew Goliath; and Allah gave him power and wisdom and taught him whatever (else) He willed. And did not Allah Check one set of people by means of another, the earth would indeed be full of mischief: But Allah is full of bounty to all the worlds.


مفهوم التغيير في الإسلام:
التغيير في الإسلام يعني تغيير المنهج الظالم فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا واحلال المنهج الإسلامي فكريا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا.

وقد فسر الإسلام والقرآن الكريم حركة التغيير الإيجابي والسلبي في حياة البشر ، ووضع الضوابط التي تضبط حركة التغيير ، فالتغيير في المجتمعات لا يسير بحركة عبثية بل بقانون وسنة تضبط حركة هذا التغيير.

التغيير الإيجابي :
أشار القرآن الكريم حركة التغيير الإيجابي مبينا عوامله وأسبابه فيقول تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ( الرعد : 11)
إن التغيير الحقيقي يأتي بادئ ذي بدئ من خلال إرادة التغيير ، فإن لم تكن هناك إرادة حقيقية للتغيير لن يكون هناك تغيير ، وإرادة التغيير تكمن في النفوس التي تهفو إلى التغيير ، ليس شعارت وليس كلمات ، بل هي رغبة حقيقية للتغيير نحو الأفضل ، يتبعها حركة حقيقية تجاه التغيير.


وهذا يعكس حال وواقع المسلمين الذين يعيشون حالة التناقض والانفصام بين الرغبة في التغيير وفقدان إرادة التغيير ، حتى يكاد ينطبق على الكثير قوله تعالى : ( إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون ) (يونس: 7)


التغيير نحو الأفضل يحتاج إلى الإرادة والحركة ولا يحتاج إلى الشعارات ، يحتاج إلى العمل الصالح واستنفاذ كل الطاقات وشحذ الهمم ، فلقد اشترط القرآن الإيمان الصادق والعمل الصالح كأدوات للتغيير ، وهذا قانون إلهي يسري على المؤمنين في كل مكان وزمان ، وبدونهما لن يكون تغيير وتبديل .وفي هذا يقول عز وجل :

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور24:55)

24:55 (Asad) God has promised those of you who have attained to faith and do righteous deeds that, of a certainty, He will cause them to accede to power on earth, [71] even as He caused [some of] those who lived before them to accede to it; and that, of a certainty, He will firmly establish for them the religion which He has been pleased to bestow on them; [72] and that, of a certainty, He will cause their erstwhile state of fear to be replaced by a sense of security [73] [seeing that] they worship Me [alone], not ascribing divine powers to aught beside Me. [74] But all who, after [having understood] this, choose to deny the truth - it is they, they who are truly iniquitous! -

التغيير السلبي:

يقول تعالى : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) ( الأنفال:53)

8:53 (Asad) This, because God would never change [56] the blessings with which He has graced a people unless they change their inner selves : [57] and [know] that God is all-hearing, all-seeing. -
ويقول تعالى: ( وضرب الله مثلا قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) ( النحل :112)
بذات المنهج وبذات القوانين والمعايير الضابطة نرى التغيير السلبي ، فالكفر والأعمال الفاسدة والظالمة
هي التي تقود المجتمع نحو الهاوية ،ويقول تعالى محذرا من العاقبة : ( أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وماكان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ) ( فاطر:44)

إن مشكلة الأمة اليوم هي مشكلة فكرية وثقافية ، لقد تغيرت القيم والمفاهيم ، واختلطت المشارب حتى فقد الكثير من أبناء الإسلام اليوم قدرتهم على التمييز ، وأصبحوا ضحية للغزو الفكري الغربي تارة ، وتارة ضحية للفكر الجاهل الذي يغلق العقول والأفهام أمام حقيقة هذا الدين وحقيقة هذا الإسلام.
نحن بحاجة اليوم إلى صفاء ونقاء المشرب والنبع الذي نشرب منه ، حتى تنضج وتتضح لدينا القيم والمفاهيم الإسلامية الأصيلة ، لقد جاء هذا الدين ليغير نفوس الناس قبل أن يغر واقعهم ، فالواقع يتغير تبعا لتغير الفكر والثقافة .

لقد جاء الإسلام ونزل على أمة كانت في ذيل الأمم حتى أصبحت تقود البشرية بعد أن رسخت الأفكار والقيم في نفوس الناس فتغير حالهم وواقعهم .

مقولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله..

فاقد الشيء لا يعطيه ، فالمسلمون كأصحاب رسالة سماوية ، وشهادتهم على الناس يجعلهم في وضعية تفرض عليهم أن يتمثلوا المنهج الإسلامي بكل قيمه وأخلاقه يقول تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)( البقرة : 143)
 

إن ما يجري من فتن وابتلاء في واقع المسلمين اليوم يعكس الخلل الفكري والثقافي الذي يجتاح الأمة ، وإنشاد التغيير والنصر يتطلب منا حشد الطاقات الفكرية والثقافية واستنهاض الهمم في التمسك والالتزام الحقيقي بالإسلام وأخلاقياته ومعاييره ( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)(محمد:38)

هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (محمد47:38)
 

  47:38 (Asad) Behold, [O believers,] it is you who are called upon to spend freely in God’s cause: but [even] among you are such as turn out to be niggardly! And yet, he who acts niggardly [in God’s cause] is but niggardly towards his own self: for God is indeed self-sufficient, whereas you stand in need [of Him]; and if you turn away [from Him], He will cause other people to take your place, and they will not be the likes of you! -