مرض خطير

من الأهمية بمكان التحذير من مرض بشع وخطير أصاب أمة الإسلام ودمر الكثير – ولو بحث كل واحد منا في نفسه وفي قناعاته لوجد آثار لهذا المرض – فجلنا مصاب بهذا المرض بدرجة ما والعياذ بالله – هذا المرض هو الفصل بين العقيدة والعمل. إنه لذات المرض الذي يسمى على مستوى الدولة بالفصل بين الدين والدولة – ومع بعض الفحوص والتأمل تجد أن نفس المفهوم الخاطئ الذي نشرته الكنيسة المسيحية في أمر النجاة "Salvation" حيث يكفي الإنسان أن يؤمن بالعقائد المسيحية "المسيح هو الله أو ابن الله وأنه ضحى في سبيل إنقاذ البشر" وله بعد ذلك أن يفعل ما يشاء.

وعلى مستوى الدولة فالفصل بين الدين والدولة هو تخلي الدولة عن الالتزام بالتشريعات الدينية وتلزم نفسها ومواطنيها بتشريعات وأنظمة وضيعة قابلة للتغيير والتجارب حسب أهواء البشر ونرى من خلال هذه الأمثلة خطورة هذا المرض ونرى من خلال معايشة الشعوب والنظم المصابة بهذا المرض فنرى الدمار الذي نتج عن هذا المرض والمصير الذي ينتظر هذه الشعوب وهذه الأنظمة.

وأقولها محذراً من مخاطر هذا المرض الذي إن لم نخلص أنفسنا فلنا نفس المصير والعياذ بالله.

ويستنكر الكثير منا أننا مصابون بهذا المرض ولكن مع بعض التوضيح ومع بعض التأمل تتضح الصورة.

فالفصل بين العقيدة والعمل هو انقسام في الشخصية – شخصية العقيدة الإسلامية داخل كل منا وشخصية الحياة والسلوكيات – فكلنا مقتنع بأن الإسلام هو أسلوب الحياة ولكن فلنسأل أنفسنا – بكل صدق وأمانة ولنبحث في داخلنا وأعماقنا بكل إخلاص – هل حقاً نتخذ الإسلام منهاج حياتنا في كل الأبعاد وفي كل الشؤون.

نعم هنالك بعض الجوانب يكون الإسلام فيها هو الشرع والأسلوب مائة بالمائة –ولكن هناك جوانب في حياتنا لا نقرنها بالإسلام بل نتجاهل ما جاء به بل نتجاهل ما جاء به الإسلام في هذه الجوانب تماماً وهناك جوانب أخرى نسيرها هكذا تارة وهكذا تارة أخرى وتتفاوت هذه الجوانب وحجمها وقدراتها من شخص لأخر ولكن الشائع أن أغلبنا مصاب بهذا المرض بدرجة تتطلب التحذير والوقاية والعلاج.

منهج حياة

الإسلام هو أسلوب للحياة ودستور منحه الله لنا لينظم لنا كل جوانب الحياة اجتماعية كانت أو اقتصادية – مادية كانت أو روحانية – سياسية أو تربوية – حتى أمور النظافة والمظهر والعناية بالصحة والجسد. كل جوانب الحياة وكل أبعاد المجتمع.

هذا هو الإسلام الذي ورد لنا من خلال القرآن والسنة وهذا هو المفهوم والتطبيق الإسلامي الذي يجب علينا استيعابه وتطبيقه.

ولكن لنتأمل أنفسنا لنجد أن الإسلام في حياة الغالب منا صار مقصوراً على المشاعر والعقيدة وأداء العبادات الأساسية من صلاة وصيام.

ولم يعد الإسلام في حياتنا هو الدستور والمنهاج الشامل لو قصدنا التطبيق على بعض وتركنا الحبل على الغارب في جوانب أخرى.

ودفاعنا عن أنفسنا في هذا الصدد هو صعوبة بل استحالة تطبيق الإسلام في كل جوانب الحياة في أيامنا هذه وفي المجتمعات الحديثة التي نعايشها فأساليب الحياة حولنا والمعاملات كلها غير إسلامية –التعاملات المالية في البيع والشراء والمعاملات البنكية من قروض واستثمارات والعلاقات الاجتماعية والمعاملات الشخصية والأسرية كل هذه وأشياء أخرى كثيرة حولنا غير إسلامية وتسير طبقاً لأهواء البشر حولنا ومن كل مكان.

فكيف لنا أن نشذ عن المعتاد ونختلف عن العموم هذه والعياذ بالله هي حجتنا وهذا هو دفاعنا وانه أيضاً لمرضنا.. ولا أقول أن هذا ينطبق على كل منا بنفس الدرجة ولكنني أكاد أقول أن كلا منا مصاب بهذا المرض بدرجة ما ولو تأملنا في داخلنا لوجدنا شيئاً ما بل ربما أشياء عدة قد أصابها هذا المرض وحدث فيها الفصل بين العقيدة الإسلامية ومنهاج العمل الواقعي.

دفاع عن باطل

واستكمالا لدفاعنا عن انفسنا نقول إن الله رب القلوب وإنه يعلم ما في نوايانا وما في قلوبنا من إخلاص وان لا يكلف الله نفساً فوق استطاعتها وهذا وسعنا وقدر استطاعتنا وليس بيدنا أفضل من ذلك.. فإن الله سيسامحنا في تجاوزاتها هذه وسيدخلنا الجنة إن شاء الله لأنه سيحاسبنا بنوايانا وليس بأعمالنا أو مظهرنا.

وهكذا تنكشف حقيقة المرض ومدى تمكنه منا وهكذا يتضح للشخصية الإسلامية جراء هذا المرض الخطير.


ماذا قدمنا لأمتنا؟

الإسلام هو دين الحق دين الفضيلة ذلك الدين القيم لكن أكثر الناس لا يعلمون. إنه الدين الذي ارتضاه الله لنا ولسائر البشر ليكون لنا ولهم منهاجاً وصراطاً في هذه الدنيا. فيكون وسيلة لنيل رضى الإله سبحانه وتعالى والفوز بجنة النعيم.

وهو الدين الأوحد عند الله تعالى إذ يقول جل شأنه في كتابه القويم في سورة آل عمران "إن الدين عند الله الإسلام" ويقول أيضاً في نفس السورة "ومن يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" وهو الدين الذي ستعلو رايته فوق كل الرايات كما ورد في كتاب الله وأحاديث رسوله محمد صلوات الله والسلام عليه. سيظهر هذا الدين على كل ما سواه وستعلو رايته وتهبط كل راية أخرى. وسينتصر  هذا الدين على سائر النظم والمناهج التي إبتدعها الإنسان. هذا النصر آت بإذن الله تعالى بنا أو بدوننا سواء حاولنا أم لم نحاول.. شاركنا أم لم نشارك إنه وعد الله وإن وعد الله الحق. والسؤال الذي نطرحه ما هو دورنا – دور المسلم الموحد – ازاء هذا الأمر الهام الأمر المصيري لكل مسلم في أمتنا.

هل نجلس نتظر أمر الله مستسلمين لما يجرى ويحدث حولنا – راضين بأحوالنا وما نحن عليه؟

أم وجب علينا تشمير الساعد والبذل والجهاد والمحاولة والمثابرة – قاصدين أن نكون من عناصر أحراز النصر الإسلامي الذي وعده الله. إنه نصر الله آت لا محالة. ولكن ما هو أمرنا نحن وفي أي طائفة سنكون يوم القيامة ويوم الحشر (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى) (يوم يفر المرء من أخيه – وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه – لكل إمرىء يومئذ شأن يغنيه) في أي طائفة سنكون يوم الغاشية (وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية) في أي طائفة سنكون. هل سنكون ممن رضى الله عنهم ورضوا عنه هؤلاء الذين أخلصوا عبادتهم لله حق الإخلاص وجاهدوا حق الجهاد. هؤلاء الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر. أم سنكون ممن غضب الله عليهم ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم


واجبنا الإخلاص

إن دورنا في تحقيق نصر الإسلام وعلو رايته يسير، إن المطلوب من كل منا في هذا الأمر ليس عسيراً وليس مستحيلاً – بل في استطاعتنا وفي وسعنا.

يقول سبحانه وتعالى "وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة".

إن دور المسلم في هذا الأمر ليس إحداث التغييرات ولا تحقيق الإنجازات فهذا دور الله سبحانه وتعالى وحاش لله أن يعتقد أحد منا أنه احدث تغييراً أو حقق إنجازاً ولكن أمر الله يحدث التغييرات حيث يشاء. وحين يشاء ويحقق الإنجازات حيث يشاء. وحين يشاء. إنما دورنا هو كما فصلت الآليات والأحاديث لنا:

-         الإيمان بالله والعمل الصالح والعقيدة الخالصة والنية الصادقة فإنما الأعمال بالنيات.

"وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" الإخلاص لله وإخلاص الدين وإخلاص العمل صفة ولابد من ان نحرص عليها في كل شيء في حياتنا.

صفة متكاملة إذا حرصنا عليها شملت كل جوانب حياتنا. وإذا أخلصنا في جانب من جوانبها انعدمت وتهدمت وضعنا والعياذ بالله. فالإنسان الذي يحرص على الإخلاص في دينه -  يخلص في معاملاته -  ويخلص في عمله – يخلص في وعوده ويخلص في أداء واجباته -  يخلص في علاقته الأسرية مع زوجته وأولاده وعائلاته -  ويخلص في علاقاته الإجتماعية مع أصدقائه وإخوانه. ويخلص في عمله – يخلص في تطوعه – يخلص في صدقته – يخلص في زكاته – يخلص في صلاته يخلص في إنفاق أمواله ويخلص في استخدام وقته ويخلص في ترتيب أولوياته.

أولويات العمل الإسلامي

إن العمل الإسلامي لا يصلح ولا يفلح بدون أساسه السليم ألا وهو الإيمان. فالعمل الإسلامي عمل مختلف في نوعه وهدفه وليس الغرض منه إنجازات مادية تخص فردا أو جماعة وإنما الغرض منه هو النجاح في الإختبار الذي يمد به كل آدمي منا ألا وهو إختبار دنيوي وبالنجاح في هذا الإختبار ليتحقق الهدف الأسمى لكل إنسان واع ألا وهو رضا الله. نعم إن أولى أولويات العمل الإسلامي هي الإيمان، فالإيمان شرط قبول العمل ولا قيمة لعمل بلا إيمان، فإذا كان الإيمان هو الأساس أليس من الواجب علينا أن نستوعب أبعاده ونفهم معانيه ونمارسه ممارسة صادقة مخلصة.

إن أهم جوانب الإيمان هو الإعتقاد الجازم بالله وحده، فإذا صدق إيماننا تغيرت حياتنا وأساليبنا وسلوكياتنا تغييرا جذريا.

إذا صدق إيماننا بالله ووثقنا به سبحانه وبقدرته لعلمنا أننا في خير ما دمنا معتمدين عليه.

إذا صدق إيماننا بالله ويقيننا بإرادته وقدرته لتقبلنا نعمه ومحبته بنفس راضية مطمئنة.

الإيمان أهم صفات المسلم الواعي المدرك لدوره وأولوياته. الإيمان شرط النجاح والفلاح.