26 ديسمبر 2014

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من يرد به الله خيراً يفقه في الدين" صدق رسول الله

تعالى معي أخي المسلم نتأمل سوياً هذا الحديث النبوي الموجز ونبحث في ثناياه على ما يشمل من محتوى ونستخرج ما فيه من درر، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى ولا يتحدث عبثاً ولا لغوا، فلقد أوتي صلى الله عليه وسلم "مجامع الكلم" هكذا يوصف صلى الله عليه وسلم لمَّا كان لحديثه من دقة وبلاغة في التعبير وإيجاز في العرض وفصاحة ذات رونق خاص.

كلمات قليلة موجزة تحمل في طياتها جُلَّ المعاني وأشمل التعبير ... دقة وإيجاز وبلاغة – هذا هو الإعجاز ذاته.

ونعود إلى الحديث ... من يرد الله به خيراً ... يفقهه في الدين ... وعادة ما نسمع الكثير من المسلمين من عامتهم بل ومن علمائهم يستشهدون بهذا الحديث على ضرورة انشغال المسلمين بتعلم "دينهم" وعادة ما يقصدون هنا هو تعلم "الفقه" وقد قصروا مفهوم "الفقه" على فقه العبادات ...

لذا نقف قليلا عند كلمة "فقه" وما المقصود بها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فالحديث يستخدم مشتقاً من مشتقاتها حين يقول يفقهه ... والمقصود هنا هو أن يصل الإنسان إلى حالة من الفهم والإدراك والفطنة ... والتفقه هو الفهم العميق الشامل وإدراك الأبعاد والتملك من استيعاب جوانب الأمور.

شمولية وعمق ... إدراك واستيعاب وفطنة.

وبذا يكون الفقه هو وصول الفرد إلى هذه الحالة من الفهم الدقيق والاستيعاب الشامل، وبذا يكون فقه الدين هو تفهم أبعاد الدين واستيعاب جوانبه وشمولية وعمق هذا الفهم وهذا الاستيعاب.

والفقه اصطلاحاً عند علماء الشريعة هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية ... فلما كان هذا العلم مستنبطاً من أدلة التشريع الإسلامي التي أساسها الأصلان: الكتاب والسنة، أطلق على هذا الفقه بأنه فقه إسلامي، أي أن التشريع الإسلامي هو مصدره ومستنده.

ومن ثم فإن "الفقه الإسلامي" المعروض على الساحة هو ما يقصد به أحكام شريعة الإسلام وقوانينها وحدودها ... هو ما يفصل بين الصواب والخطأ ... ما يجوز وما لا يجوز ... بين الحلال والحرام ... وبذا يغلب على هذا العرض تعريف الإطار والحدود ... والتحذير والنهي عن السقوط من حافة الإطار ...

بين أن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يتحدث عن فقه الدين فقه الحياة الإسلامية ... فالدين الإسلامي أسلوب للحياة ... ومن ثم ففقه الدين هو فقه المنهج والأسلوب ... فقه الغرض والمراد ... فقه الحياة الكاملة المتكاملة ... الشاملة ذات الأبعاد ... داخل الإطار الإسلامي ... وبعيداً عن حافته ... بعيدا عن الحدود.

ولا يقتصر على فقه الآليات وفقه الحدود ... يتسع ليشمل فقه الحياة ...

الحياة التي وصفها القرآن والحديث بعيدة عن المحاكم والقضاة بعيدة عن الخوف من الوقوع تحت طائلة القانون.

الحياة الآمنة العامرة بالخير والصلاح والحب والعطاء بالإخاء والمشاركة بالبذل والجهد.

الحياة الإسلامية بعيدة عن "حدود الحمى"


لكم دينكم ولي دين – هل فهمنا المعني والمقصد

فى إحدى محاولات مشركي مكة لاحتواء الرسول صلى الله عليه وسلم واحتواء هذا الدين الجديد الذي كان يهدد معتقداتهم الوثنية عرضوا على النبي الكريم عرضاً ظنوه سخيّاً وتنازلا كبيرا منهم ... لنعبد ربك يا محمد عاماٌ وتعبد معنا ما نعبد عاماً آخر ...

محاولة لمسك العصا من المنتصف، حلٌّ وسطٌ ... هكذا بدا لهم ... فالفرق بين هذا ذاك ليس بالفرق الشاسع ... والأمر هين ... وكلها عبادة ... وكلهم آلهة ... !!

 وسبحان الله ... تمر السنين والأعوام بل والقرون وها هو التاريخ يعيد نفسه....

ونجد من ينادى بتقارب الأديان وتشابهها ... فكلنا يعبد الله نفس الإله وإنْ اختلفت الأساليب والوسائل.

كأنها طرق متوازية شتى وكلها تؤدى إلى نفس الوجهة ونفس المقصد.

ويسوؤنا أن هناك مِن علمائنا وقادتنا مَن نادى بالتآلف والتآخي بين ما يسمونه بالديانات السماوية ... ويطلقون ألقاب التكريم والتعظيم على أئمة الكفر والمشركين واحتفالاتهم وأعيادهم مثل "قداسة البابا" و"العيد المجيد" وغيرها...!

فالقدسية لله وحده وهو وحده المجيد.

وهناك مَن يُقرن بين القرآن وبين ما يسمونه بالكتب السماوية من عهد قديم أو عهد جديد ويجادل أنها من عند الله وتؤدى إلى نفس النتيجة وتخدم نفس الغرض.

وكما كان موقف الإسلام واضحاً فى هذا الأمر حين عرضت قريش عرضها على رسول الله ... مازال موقف الإسلام بنفس الوضوح والجلاء ... تعرضه الآية الكريمة التي نزلت ردّاً على قريش وعرضهم آنذاك:

 "قُلۡ يَـٰأَيُّهَا ٱلكَـٰفِرُونَ (١) لَآ أَعبُدُ مَا تَعبُدُونَ (٢) وَلَآ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعبُدُ (٣) وَلَآ أَنَا۟ عَابِدٌ۬ مَّا عَبَدتُّمۡ (٤) وَلَآ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعبُدُ (٥) لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِىَ دِينِ (٦)" (سورة الكافرون)

نعم:

إخوة الإسلام:

إنَّ الآيات القرآنية فى هذا الأمر قاطعةٌ وحاسمةٌ ولا تترك مجالاً للمساواة والمقارنة ... كما أنها لا تدع أيضاً مجالاً للإقرار ... فنحن لا نقرُّ الكفار على كفرهم ولا المشركين على شركهم ولا النصارى على نصرانيتهم ولا اليهود على يهوديتهم.

نعم هم أخوة لنا فى البشرية والإنسانية – لهم حرية العقيدة والعبادة ... ولكنا لا نقرهم على ما هم فيه من كفر ٍ أو إشراكٍ ... ولا نطلق على أئمتهم ألقاب القداسة ... أو على أعيادهم بأنها مجيدةٌ.

فالفرق بين ديننا و"دياناتهم" فرقٌ شاسعٌ والآيات فى سورة الكافرون تقطع بهذا الأمر فى حسمٍ وتوكيدٍ ... "لَآ أَعۡبُدُ مَا تَعۡبُدُونَ (٢) وَلَآ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (٣) وَلَآ أَنَا۟ عَابِدٌ۬ مَّا عَبَدتُّمۡ (٤) وَلَآ أَنتُمۡ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعۡبُدُ (٥)."

تكرارٌ للتوكيد فى الماضى والمستقبل ... والقطيعة فى اختلاف العبادة والمعبود.

ويزداد الحسم والقطيعة والوضوح فى قوله تعالى: "لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِىَ دِينِ (٦)".

وللأسف، يسيء البعض منا فهم معنى هذه الآية الكريمة لضعفٍ فى استيعاب المعنى وعجز عن فهم الألفاظ القرآنية.

ــ لقد علم كفار مكة بخطورة هذا الدين الجديد، لذلك حاولوا الكثير لتحويل محمد عن منهجه ... بما فى ذلك حيلة الحل الوسط التي دحضتها الآيات الكريمة: "لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِىَ دِينِ (٦)".

ــ ولقد علم الرسول الكريم باستحالة الحل الوسط ... فلن يقوم للإسلام قائمة في ظل معتقدات الكفار وقيمهم أو نظامهم الاجتماعي ... لابد وأن يتغير المناخ العام للمجتمع، ولابد وأن تأخذ قيم الإسلام ومُثله مقامها، ولابد وان يكون الإسلام هو النظام السائد لا المسود.

رأى كفار مكة قوة هذا الدين فى مبادئه وقيمه ... وليس فى العدد أو العدة ... فلم يكن لمحمدٍ إلا أتباع معدودون ... ولم يكن لديه أو لدى أتباعه من العتاد أو العدة ما يخيف أو يثير القلق.

وها هو التاريخ يعيد نفسه مراتٍ ومراتٍ ... وها هو يعيد نفسه مرةً أخرى فى عصرنا الحديث ... فها هم المسلمون ضعفاء مستضعفون ... وليس لديهم ما يخيف ... أو ما يثير قلقاً من عتادٍ أو عدةٍ.

ولكنه الإسلام ... ذات العقيدة ... وذات القيم ... وذات النظم الاجتماعية ... التي لو أعطيت الفرصة لفرضت نفسها على ما دونها من عقائد ومثل ونظم اجتماعية.

وهذا هو الخطر الذي يراه أعداء الإسلام.

يرونه بوضوحٍ بالغٍ ... أوضح مما يراه بعض المسلمين.

ولذلك يحاربونه كما حاربه كفار قريش ... بشتى الطرق والوسائل.

منها ما نراه ونفطن إليه ... ومنها ما لا نراه ولا نفطن إليه.

ولكنهم يحاربونه بضراوةٍ بالغةٍ ... لأنه يهدد أنظمتهم وعروشهم.

ومرةً أخرى يلجون للحيلة لمحاربة هذا الدين كما لجأ كفار مكة من قبلهم ... فها هم يتخللون صفوفنا ويخترقونها بما يسمونه بجمعيات التآلف أو التحالف أو التحاور بين "الأديان".

فحذار أيها المسلمون من الانخداع بهذه الحيلة أو الوقوع فى هذه المكيدة.

 

حقاً إن الإسلام يقوم على الإخاء بين البشر ...

حقاً إن الإسلام يقوم على حرية الفكر ... وحرية العقيدة.

حقاً إن الإسلام يقوم على حسن المعاملة ... وإعطاء كل ذي حقٍّ حقه ...

ولكن الإسلام يستنكر أي إقرارٍ لأي نظام آخر ... كما يرفض أي إقرانٍ بها.

"لَكُمۡ دِينُكُمۡ وَلِىَ دِينِ." ...  لا إقرار ولا إقران ... هكذا تذكرنا الآية الكريمة.

إخوة الإسلام:

نعم لابد وأن تأخذ قيم الإسلام ومثلهِ مكانتها فى المجتمع ... ليس مجتمع المسلمين فحسب ... بل فى المجتمع البشرى بأكمله ... فهذا دورنا وهذا واجبنا.

لابد وأن يأخذ الإسلام مكانته فى الصدارة ... فهذا دورنا وهذا واجبنا.

نعم يجب أن يكون الإسلام هو الضوء المنير الذي يهدى هذه البشرية إلى ما فيه خيرها وسعادتها ...  فهذا دورنا وهذا واجبنا.

لذا فلابد وأن يتصدر المسلمون القيادات الاجتماعية والفكرية والسياسية والعسكرية ... فهذا دورنا وهذا واجبنا.

ولذا فلابد وأن يتفوق المسلمون ... في كافة الأنشطة والحرف فى هذه الأرض ... فهذا دورنا وهذا واجبنا.

نعم لابد من صدارة المسلمين ...

ولكن أي مسلمين ... أولئك الذين يستحقون الصدارة ...

فسنة الله فى كونه أنه لا صدارة لمن لا يستحق الصدارة ... فهل نحن هم ؟! ... هل نحن أولئك المسلمون الجديرين بالصدارة؟!.

ــ هل منا من هو جديرٌ بقيادة العالم اجتماعياً أو فكرياً أو سياسياً أو عسكرياً؟!

ــ هل منا من هو جديرٌ بالصدارة العالمية فى حرفةٍ أو مهنةٍ أو نشاطٍ؟!

ــ هل منا من هو قادرٌ على إظهار نور الإسلام للبشرية ... يرونه واضحاً جلياً ... ويهديهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم؟!

إخوة الإسلام: هذا دورنا وهذا واجبنا..........

109:1 Say, "O disbelievers,

109:2 I do not worship what you worship.

109:3 Nor are you worshippers of what I worship.

109:4 Nor will I be a worshipper of what you worship.

109:5 Nor will you be worshippers of what I worship.

109:6 For you is your religion, and for me is my religion."