الحمد لله الذى جعل الدنيا دار عمل وابتلاء وجعل الأخرة دار جزاء واستقرار وأرسل الرسل وأنزل الكتب برحمته ليبين للناس طريق الفوز والنجاح من تلك الدنيا إلى دار القرار وجعل الفوز فى الدارين جزاءا للإيمان به تعالى وبرسله وكتبه وأتباع أمره والإقتداء برسله.

 

وقضى بعدله سبحانه بالخسران على من كفر به تعالى أو برسله أو بكتبه أو خالف أمره سبحانه وتعالى أو خالف سنة رسله سلام الله عليهم جميعا.

 

فقضى سبحانه وتعالى على من عبد غيره بالخسران فقال: "قل الله أعبد مخلصا له دينى فاعبدوا ما شئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين" (الزمر 14-15)

وقضى على من كفر بأياته بالخسران فقال

"إن الذين لا يؤمنون بأيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم .... إلى قوله تعالى ..... لا جرم أنهم فى الأخرة هم الخاسرون" (النحل 104-109)

وقال تعالى "ونزل من القرءان ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا" (الإسراء 82)

وقضى بالخسران على من اتبع شرعا غير شرعه فقال "قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم وحرموا ما رزقهم الله افتراءا على الله قد ضلوا وما كانو مهتدين" (الأنعام 140)

وقضى بالخسران على من يأس من رحمته تعالى فحول وجهه عن الله إلى غيره فقال "ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير أطمأن به وإن إصابته فتنة أنقلب على وجهه خسر الدنيا والأخرة ذلك هو الخسران المبين" (الحج 11)

وقضى بالخسران على من اتبع هواه فقال " ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم فى جهنم خالدون" (المؤمنون 103)

 

كل هؤلاء خاسرون.  "فهل ننبئكم بالأخسرين أعمالا" هل ننبئكم بمن هم أشد خسارة من كل هؤلاء "الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا" (الكهف 103-10418: )

 

قُلۡ هَلۡ نُنَبِّئُكُم بِٱلۡأَخۡسَرِينَ أَعۡمَـٰلاً (١٠٣) ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُہُمۡ فِى ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّہُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا (١٠٤)

Say: Shall We inform you who will be the greatest losers by their works? (103) Those whose effort goes astray in the life of the world, and yet they reckon that they do good work. (104)

 

الأخسرون أعمالا الذين يظنون أنهم مؤمنون بالله ورسوله الذين يظنون أنهم يتبعون كتاب الله. الذين يظنون أنهم يسيرون بل يسعون على طريق الهدى والحق ولكنهم فى حقيقة الأمر غير ذلك تماما. أولئك هم الأخسرون. الأخسرون لأنهم علموا ان للحق طريق لكنهم لم يجتهدوا فى تبين هذا الطريق فسلكوا طريق الضلال والهلاك وهم يظنون أن آخره الفوز والنجاح. فيا حسرتهم عندما يصلوا إلى نهاية الطريق فيجدوه سرابا. يقول تعالى "والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب" (النور 39)

 

ولنعلم مثالا لهؤلاء الأخسرين أعمالا فلنتدبر حديث رسول الله (ص) حيث يقول " ان اول الناس يقضي فيه يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فاتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها قال قاتلت فيك حتي قتلت قال كذبت ولكن قاتلت ليقال هو جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتي ألقى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما علمت فيها قال تعلمت فيك العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن فقال كذبت ولكنك تعلمت ليقال هو عالم فقد قيل وقرأت القرآن ليقال هو قاريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتي ألقي في النار ورجل وسع الله عليه رزقه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال ما عملت فيها فقال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها الا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار وفي لفظ فهؤلاء أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة"

والسؤال الأن كيف نتجنب أن نكون من هؤلاء الأخسرين أعمالا. وللإجابة على هذا السؤال يجب أن نعلم أولا أن كل عمل نعمله بل كل لفظ نتقوله نحن محاسبون عليه صغيرا كان أو كبيرا. يقول تعالى "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" ويقول سبحانه "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"

وحتى يكون العمل مقبولا يشترط

 أن يكون العمل صالحا: يقول تعالى  ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه﴾

 وأن يكون المرء تقيا: يقول تعالى ﴿إنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الـمُتَّقِيْنَ﴾ المائدة آية 27

وأن يكون العمل مخلصا لله تعالى: فالإخلاص هو السر المهم الذي بين العبد وربه لايطلع عليه إلا الله مقلب القلوب فمن وفقه الله إلى حسن النية والإخلاص كان عمله مقبولاً .قال تعالى : ­﴿قُلِ اللّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِيْنِي﴾ الزمرآية 14. وفي الحديث الشريف : (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله)

 

 وأن يكون العمل موافقا لما جاء فى كتاب الله وسنة رسوله (ص). ولا يتأتى كل هذا إلا بالأجتهاد فى تدبر أيات الله تعالى وأقتفاء سنة رسوله (ص)

قال الله تعالى : ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُوْلُ فَخُذُوْهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوْا﴾ سورة الحشر آية 7

وقال تعالى "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما" (البقرة 71)

وقال تعالى "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم" (الأحزاب 36)

وقال رسول الله (ص) "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد"

 

وأعلم أخى فى الله أن من أسباب قبول العمل أيضا ان تدعوا الله تعالى أن يتقبل صالح عملك. أنظر إلى خليل الله أبراهيم وأبنه إسماعيل حين أمتثلوا لأمر الله تعالى ورفعوا القواعد من البيت يبتهلون إلى الله تعالى "ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم" أين نحن بأعمالنا من خليل الله وأبنه أسماعيل

 

ومن شروط قبول العمل أيضا الإتقان: يقول رسول الله (ص) "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه" وكلنا يعلم حديث رسول الله (ص) حين قال للرجل فى المسجد "صلى فأنك لم تصلى"

 

وأعلم أخى فى الله أن عليك أن تجتهد أن تتبين طريق الحق فى كل أمر من أمور حياتك صغيرا أو كبيرا  بالتعلم وسؤال العلماء العاملين المتقين. فإن تعذر الأمر عليك ولم تجد دليلك الشرعى على أى أمر من أمور حياتك فلا تنسى أن الله تعالى شرع لك فى سنة رسوله (ص) الأستخارة
عن جابر(ر) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمر كما يعلمنا السورة من القرآن ، يقول :
"إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل : اللهم إني أستخيرك بعلمك ، وأستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم ، وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر - ويسمي حاجته - خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، فاقدرهُ لي ، ويسرهُ لي ، ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني ، واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيثُ كان ، ثم رضني به"

وفي مسند الإمام أحمد  من حديث سعد بن أبي وقاص ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
من سعادةِ ابن آدم استخارة الله ، ومن سعادةِ ابن آدم رضاه بما قضاه الله ، ومن شقوة ابن آدم تركهُ استخارة الله ، ومن شقوة ابن آدم سخطه بما قضى الله "

 

فلا تقدم رأيك ولا هواك ولا رأى الأخرين بين يدى الله ورسوله. يقول تعالى "ولا تقدموا بين يدى الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم"